مقابلة حصرية | الإسلام, العلمنة وإصلاحات بن سلمان في السعودية
أجرى موقع ميبا نيوز مقابلة حصرية حول إصلاحات محمد بن سلمان و الحياة الإسلامية في السعودية.
ما التغيرات التي طرأت على النسيج الاجتماعي للمملكة منذ تولي محمد بن سلمان السلطة؟ نرى افتتاح دور السينما، تنظيم الحفلات الموسيقية، اختلاط الجنسين، وغيرها من الأمور. هل يمكن وصف هذا التغيير بمزيد من التفصيل؟
منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، بدأت المملكة تشهد تغييرات اجتماعية هامة وغير مسبوقة. على الرغم من أن المملكة كانت دائمًا محافظة في مجالات عديدة، إلا أن هذه التغييرات أسفرت عن نتائج عميقة تؤثر على هوية المجتمع السعودي. وأبرز ما قام به محمد بن سلمان هو استحداث هيئة الترفيه، وظيفتها المعلنة هي تولي الفعاليات الترفيهية، لكن حقيقتها أنها جاءت بأمور فاقت غرض الترفيه واستنسخت فعّاليات غربية وأوروبية وقامت بتطبيقها في المملكة، في تطور يعكس محاولة لسلخ المجتمع السعودية المحافظ عن هويته وقيمه وأعرافه المجتمعية، ومن أبرز ما قامت به هيئة الترفيه: تنظيم الحفلات الموسيقية الصاخبة، الترويج للاختلاط المبالغ فيه بين الجنسين في الأماكن العامة، فتح دور السينما وعرض الأفلام والمشاهد بلا قيود، افتتاح النوادي الليلية وأبرزها "بيست هاوس" رغم أن هذا النادي تعود ملكيته لشركة "ميدل بيست" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. ومن التغييرات أيضا التي أحدثها محمد بن سلمان: تقليص دور الهيئات الدينية وتوسيع دور هيئة الترفيه، الأمر الذي يُثير تساؤلات عن مصير القيم الاجتماعية والدينية التي كانت أساس الدولة منذ نشأتها. العديد من السعوديين يعتبرون هذه التغييرات تهديدًا للهوية الثقافية والدينية للمجتمع، حيث يتم التركيز على جذب السياح والأنشطة الترفيهية على حساب القيم التي كانت تعتبر حجر الزاوية في المملكة.
هل تقتصر هذه التغييرات على مدن معينة مثل جدة والرياض، أم وصلت أيضًا إلى مكة والمدينة؟ فقد وردت تقارير عن افتتاح دور سينما في المدينة مثلاً.
بداية التغييرات كانت في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة، وذلك نظرًا لكونها أكثر كثافة سكانية ووجودًا في مجالات الترفيه والاقتصاد. لكن هذه التحولات لم تقتصر على هذه المدن فقط، فقد بدأ التأثير يصل إلى مكة والمدينة ومدن المملكة الاخرى أيضًا وبدعم رسمي كبير. في مكة، على سبيل المثال، تم افتتاح أكبر دور سينما مؤخرًا، وهو ما يثير استغراب العديد من المواطنين والمراقبين باعتبار أن مكة هي المدينة المقدسة التي يجب أن تُحافظ على قدسيتها الروحية بعيدة عن أي نشاطات ترفيهية. في المدينة أيضًا، بدأت تظهر تغييرات مشابهة، حيث تم افتتاح أماكن تقدم الموسيقى الحية والأغاني بالقرب من الأماكن المقدسة. هذا التوسع في الأنشطة الترفيهية في هذه المدن يزيد من التساؤلات حول مدى تأثير هذه التغييرات على الهوية الدينية للمملكة.
الجولات الغنائية التي تقام على مستوى المملكة تم تقديم خدمات حكومية كبيرة لها تمثلت في تسهيل المواصلات وتقديم نقل مجاني من وإلى بالإضافة إلى شمول مناطق واسعة بهذه الحفلات.
هل التوجه نحو الممارسات غير الإسلامية في السعودية ظاهرة قديمة، أم بدأت مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان؟
إن التوجه نحو الممارسات غير الإسلامية في السعودية لم يبدأ إلا في السنوات الأخيرة، وتحديدًا بعد عام 2015 مع صعود محمد بن سلمان إلى الواجهة. حتى السنوات الأخيرة كانت المملكة تتبنى سياسات محافظة جدًا مبنية على التحالف مع رجال الدين والعلماء. هذا التحالف كان يضمن تبني المملكة لنهج إسلامي تقليدي في السياسة الاجتماعية والدينية، حيث كانت المؤسسات الدينية، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتمتع بصلاحيات كبيرة في فرض القيم الدينية والمجتمعية.
ومع بداية عهد محمد بن سلمان وتوليه ولاية العهد في عام 2017 بدأت المملكة تشهد تحولات غير مسبوقة، حيث تم تقليص دور المؤسسات الدينية بشكل ملحوظ. كانت البداية مع تقوية دور هيئة الترفيه، التي أصبحت الجهة المسؤولة عن تنظيم الأنشطة الترفيهية الكبيرة مثل الحفلات الموسيقية والعروض الفنية، وهو ما يتناقض مع هوية المملكة الإسلامية التقليدية. هذه التغيرات شملت أيضًا تشجيع السياحة والترفيه، ما أثار قلق البعض من أن هذه السياسات قد تشكل تهديدًا للقيم الدينية التي كانت تعد جزءًا أساسيًا من هوية الدولة.
ومن بين الأمثلة على هذا التحول هو السماح بتنظيم رحلات دينية للمسيحيين إلى جبل اللوز في تبوك، وهو جزء من التوجه الجديد الذي يقوده محمد بن سلمان. جبل اللوز، الذي يُعتبر ذا أهمية في المعتقدات المسيحية باعتباره يُعتقد أنه جبل سيناء، أصبح نقطة جذب للمسيحيين بفضل الدعم الرسمي السعودي لهذه الأنشطة. منظم هذه الرحلات، جويل ريتشاردسون، الذي له تصريحات مثيرة للجدل، حيث وصف القرآن الكريم بأنه "أكثر إساءة من كتاب هتلر ضد اليهود". كما أنه استخدم عبارات تحط من شأن مكة المكرمة، حيث اعتبرها أقل أهمية من الأماكن المقدسة في الديانات الأخرى. ورغم هذه التصريحات، لم يُمنع ريتشاردسون من زيارة المملكة أو من تنظيم الرحلات إلى جبل اللوز، بل تم منحه تسهيلات رسمية. هذه الممارسات تثير تساؤلات حول موقف السلطات السعودية من مثل هذه التصريحات والممارسات التي يعتبرها البعض مهينة للهوية الإسلامية للمملكة.
في ظل الأحداث الجارية في غزة، لا يبدو أن هناك أي احتجاج في السعودية، بل تستمر المهرجانات والاحتفالات. ما السبب وراء هذا التوجه؟
غياب الاحتجاجات على الأحداث الجارية في غزة، واستمرار المهرجانات والفعاليات الترفيهية في السعودية، يعكس سياسة تركز على تحويل الاهتمام الشعبي بعيدًا عن القضايا الكبرى في المنطقة، مثل القضية الفلسطينية. السلطات السعودية شنت حملات اعتقال واسعة ضد العلماء والدعاة الذين كانوا يعبرون عن تعاطفهم مع القضية الفلسطينية أو يدافعون عن حقوق الفلسطينيين. تلك الحملة منعت أي صوت معارض للنظام وأدت إلى تغييب النقاش العام حول قضايا الأمة الإسلامية. في الوقت ذاته، يستمر النظام في تنظيم فعاليات ترفيهية غير ذات صلة بالقضايا الإقليمية أو الدينية، مما يعكس توجهًا بعيدًا عن تعزيز الهوية الإسلامية في المملكة.
السعودية تُعتبر من الدول القيادية في العالم الإسلامي، لكن يتم اتهامها بعدم إبداء التعاطف الكافي تجاه القضية الفلسطينية. برأيك، هل يولي محمد بن سلمان أو النظام السعودي اهتماماً بالقضية الفلسطينية؟
من الواضح أن النظام السعودي تحت قيادة محمد بن سلمان بدأ يبتعد عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية. على الرغم من أن السعودية كانت تعد من أبرز الداعمين لفلسطين في الماضي، إلا أن العلاقة مع "إسرائيل" والتوجه نحو التطبيع بدأ يأخذ طابعًا رسميًا. في السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات للتقارب مع "إسرائيل" على حساب القضايا الفلسطينية، مما أثار غضب العديد من السعوديين والعرب. وقد أوردت العديد من التقارير الإعلامية عن هذه المحاولات، حيث تم تسليط الضوء على تحركات للتطبيع في مجالات اقتصادية ودبلوماسية، ما يبرز تغييرًا في المواقف السياسية.
الحكومة السعودية اعتقلت العديد من الشخصيات الفلسطينية المؤثرة، كما منعت أي نشاط يدعو إلى التضامن مع غزة أو يعارض التطبيع مع "إسرائيل". هذه السياسة تظهر أن النظام السعودي لم يعد يعير القضية الفلسطينية نفس الأهمية التي كانت تحظى بها سابقًا، بل بدأ في اتخاذ خطوات نحو إعادة هيكلة أولوياته الإقليمية والدولية على حساب القضية الفلسطينية.
في السنوات الأخيرة، أصبح اهتمام النظام السعودي يركز بشكل أكبر على محاربة المظاهر الإسلامية التقليدية، في مقابل السعي نحو التطبيع مع "إسرائيل". رغم أن القضية الفلسطينية كانت على رأس أولويات السياسة السعودية لسنوات طويلة. ويُعتقد أن قرار تصفية القضية الفلسطينية قد اتخذ منذ سنوات، إلا أن الإعلان عنه تأجل خشية رد الفعل الشعبي الواسع. ما يعزز هذا التوجه هو اعتقال عددا من القيادات الفلسطينية في السعودية، وهو ما يُعتبر إشارة قوية إلى تراجع اهتمام المملكة بالقضية الفلسطينية.
التطورات الأخيرة، مثل صمت المملكة عن ما يحدث في غزة خلال معركة "طوفان الأقصى"، وغياب أي تحرك سعودي قوي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، يؤكدان أن المملكة لم تعد تأخذ دورها المعتاد في هذا الملف، على الرغم من مكانتها الدينية والعربية. هذه السياسة، التي تتبنى نهجًا أكثر براغماتية تجاه "إسرائيل"، تثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل القضية الفلسطينية في السياسة السعودية.
شهدنا اعتقال عشرات العلماء الإسلاميين منذ تولي محمد بن سلمان السلطة. ما رأيك في هذا الوضع؟ ولماذا يحدث ذلك؟
الاعتقالات التي طالت العشرات من العلماء الإسلاميين منذ تولي محمد بن سلمان السلطة تأتي في إطار سياسة قمعية تهدف إلى السيطرة على الفكر الديني في المملكة. العديد من هؤلاء العلماء، مثل الشيخ سلمان العودة، الشيخ عوض القرني، والدكتور علي العمري، كانوا يمثلون صوتًا دينيًا معتدلًا ويحظون بشعبية واسعة داخل السعودية والعالمين العربي والإسلامي. كان هؤلاء العلماء جزءًا من التيار المعتدل في الصحوة الإسلامية التي نشأت في السبعينات والثمانينات، وكان لهم تأثير كبير في المجالس الدينية والشرعية، إذ كانت آراؤهم تحظى بالاحترام والاستماع من قبل الأمراء والملوك.
مع بداية عهد محمد بن سلمان، وبالتزامن مع صعود التوجهات العلمانية والليبرالية، بدأ النظام السعودي يرى في هؤلاء العلماء تهديدًا لحكمه، ما أدى إلى حملة اعتقالات واسعة استهدفت العديد من الشخصيات الدينية البارزة. هذه الحملة، التي شملت أيضًا مؤثرين آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت تهدف إلى تقليل تأثير العلماء الإسلاميين المعتدلين، والحد من تأثيرهم في المجال العام.
إلى جانب الاعتقالات، شهدت المملكة تقليصًا كبيرًا لدور الهيئات الدينية، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت تلعب دورًا كبيرًا في فرض القيم الإسلامية على المجتمع. في المقابل، تم تعزيز دور هيئة الترفيه، التي أصبحت الجهة الرئيسية المسؤولة عن الأنشطة الترفيهية والثقافية، وهو ما يعكس تحولًا في أولويات الدولة من التركيز على الشريعة الإسلامية إلى الانفتاح على الترفيه والفعاليات العالمية. هذه التغيرات ساهمت في تعميق الفجوة بين الحكومة والتيارات الدينية في المملكة، وأثارت جدلاً واسعًا حول تأثير هذه السياسات على هوية المملكة الإسلامية.
لوحظ بروز شخصيات علمانية وليبرالية جديدة في السعودية، مع دعم حكومي واضح لنشر آرائهم. هل هذا جزء من محاولة لتغريب المجتمع السعودي؟
بالطبع، الدعم الحكومي للشخصيات العلمانية والليبرالية في السعودية يعد جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية للمملكة. الحكومة تسعى إلى تقديم وجوه علمانية وليبرالية على الساحة، وهو ما يعكس محاولات لتغريب المجتمع السعودي وفتح الباب أمام القيم الغربية. هذه الشخصيات تم ترويجها كجزء من عملية "التحديث" التي يقودها محمد بن سلمان، حيث يتم منحهم منصات إعلامية كبيرة لطرح أفكارهم. هذه السياسات تمثل تراجعًا عن القيم الإسلامية التي كانت تميز المملكة، وتدفع بالمجتمع نحو قيم قد تكون بعيدة عن الهوية الأصلية للبلاد.
ما هو رأي الناس داخل وخارج المملكة حول هذه التغييرات؟ هل يمكن أن تتسبب هذه التحولات في انفجار اجتماعي أو انتفاضة ضد النظام الحالي؟
الناس داخل المملكة يعبرون عن استياء واسع تجاه التغيرات التي تطرأ على المجتمع السعودي. من خلال منصات التواصل الاجتماعي، يظهر رفض كبير من قبل العديد من السعوديين للتوجهات الحديثة التي تهدد القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع. خارج المملكة، يواجه هذا التوجه انتقادات واسعة من الأوساط الإسلامية والعربية، حيث يراه البعض تراجعًا خطيرًا عن المبادئ الإسلامية التي قامت عليها المملكة. أما بالنسبة للانفجار الاجتماعي أو الانتفاضة، على الرغم من الغضب الكبير في المجتمع، إلا أنه لا يبدو أن هناك تحركات نحو انتفاضة. ومع ذلك، فإن تزايد الاستياء قد يؤثر على استقرار النظام في المستقبل.
أما خارج المملكة ومن خلال مشروعنا "واقع بلاد الحرمين" الذي يخاطب جمهور واسع وبـ 13 لغة، نرى تفاعل وتعاطف وغضب الجمهور مما يحدث من هذه التغييرات. فهذه التغييرات لا تؤثر على المملكة وحدها بل على المنطقة والعالم الإسلامي بشكل واسع.
مشروع "واقع بلاد الحرمين" هو مشروع يسعى لكشف التحولات الدينية والمجتمعية التي تحدث في المملكة وبـ 13 لغة مختلفة.